قرية بالشرقية: العطش يقتل «الزرع».. والأهالى يبحثون عن «كوب مياه»

قرية بالشرقية: العطش يقتل «الزرع».. والأهالى يبحثون عن «كوب مياه»


تحولت أراضيها الخضراء إلى اللون الأصفر، فأصبحت جرداء، بسبب العطش، تتوسطها ترعة جافة، لم تصلها مياه الرى منذ شهور، وجوه الناس غاضبة بسبب بؤس الحياة ومُر العيش، فلم تقتصر معاناتهم على عطش الأراضى، وإنما طالهم الظمأ، فبات همّهم الأول، البحث عن كوب مياه نظيف لإنقاذ «حياة» بعد أن ماتت «زراعتهم» أمام أعينهم، بسبب صم المسئولين آذانهم عن شكوى الأهالى.

«قرية الظواهرية» التابعة لمركز منشأة أبوعمر، فى محافظة الشرقية، تقع فى منطقة بعيدة على أطراف المحافظة، حيث يصعب الوصول إليها بسبب الطرق الترابية غير الممهّدة، تتراص على جانبيها منازل بسيطة لا تتعدى طابقين أو ثلاثة، ووسيلة اتصالهم الوحيدة بباقى مراكز المحافظة «سيارات نصف نقل». «نشعر بالقهر والظلم، بعد أن حرمت قريتنا مترامية الأطراف من كل الخدمات، اشتكينا كثيراً وأرسلنا استغاثات عدة، دون جدوى، لا توجد مياه شرب أو صرف صحى أو طريق ممهّد أو خدمة طبية»، بتلك العبارات وصف يحيى بدران، أحد أهالى القرية معاناتهم، مشيراً إلى أن المسئولين لا يعتبرون القرية ضمن قرى المحافظة، مضيفاً: «مش لاقيين مية شرب، حتى المياه الجوفية بها نسبة ملوحة مرتفعة، نضطر إلى شراء مياه الشرب فى جراكن»، مؤكداً أن القرية لم تصل إليها خطوط مياه الشرب، مما اضطر الأهالى إلى توصيل خط مياه من خط يغذى قرية مجاورة، إلا أن أهالى تلك القرية حطموا الخط بعد ثورة 25 يناير، ومنذ ذلك الحين تبدّدت أحلامهم فى الحصول على كوب مياه نظيف.

 

ارتفاع معدلات الإصابة بالفشل الكلوى والمزارعون يروون أراضيهم بـ«المجارى»

فى مشهد يعكس معاناة الأهالى، تزاحمت السيدات على سيارة «فنطاس» منّت بها شركة مياه الشرب على الأهالى، وسط محاولات من قائد السيارة لتنظيم الأهالى فى صفوف للحصول على المياه فى عبوات بلاستيكية، وعلّقت فاطمة محمود، ربة منزل، على المشهد قائلة: «أول ما نعرف أن عربية المياه وصلت بنفرح، لأننا لو لحقنا نملأ الجراكن بتاعتنا مش هنضطر نمشى 3 كيلو، علشان نجيب الميه»، وتابعت حديثها غاضبة: «هو إحنا مش من حقنا نلاقى ميه نظيفة وصرف صحى وتعليم كويس ومواصلات آدمية مثل سكان المدن، إحنا عاوزين أبسط حقوقنا فى الحياة».

«المعاناة لم تقتصر على مياه الشرب، بل امتدت إلى مياه الرى التى أجبرت المزارعين على رى أراضيهم بمياه الصرف الصحى، لتُنتج محاصيل مشبّعة بالملوثات، ومن ثم تنقل الأمراض إلى الأهالى»، هكذا وصف عبدالحميد السيد، مزارع، حال الفلاحين فى القرية، لافتاً إلى أن مياه الرى لم تصل إلى ترعة «البداية» منذ شهور، رغم أنها مخصّصة لرى آلاف الأفدنة الزراعية فى المنطقة، مما دفع أهالى القرية و14 عزبة تابعة لها إلى رى أراضيهم بمياه الصرف، لافتاً إلى أن ذلك تسبّب فى انتشار الأمراض بين الأهالى، وفى مقدمتها الفشل الكلوى بسبب تلوث المحاصيل.

«سعدية إبراهيم»، 36 عاماً، ربة منزل، مرّت بظروف عصيبة إثر إصابة نجلها بعدما صدمته سيارة، أثناء لهوه مع الأطفال بالقرية، لتُفاجأ به غارقاً فى دمائه، وبتلقائية احتضنته مهرولة إلى الوحدة الصحية، إلا أنها لم تجد الطبيب، فلم يكن منها إلا احتضان طفلها والبكاء لحين حضور سيارة الإسعاف التى تأخرت كثيراً، وبمساعدة أهالى القرية نقلوا الطفل المصاب إلى مستشفى الحسينية، على بُعد 18 كيلومتراً من القرية، فى سيارة نصف نقل. وتابعت: «ابنى كان فاقد الوعى فى الطريق، وكان قلبى هيقف، وبعد معاناة نجح الأطباء فى إنقاذه، إلا أن تلك الساعات مرت علىّ كما لو كانت دهراً كاملاً». وبعرض مأساة القرية على اللواء خالد سعيد، محافظ الشرقية، قال إنه جارٍ حصر مشكلات الأهالى، خصوصاً فى قطاع الرى، للعمل على إيجاد حلول لها، مشيراً إلى أن الدولة تولى اهتمام كبيراً بمشكلات المواطنين، لافتاً إلى أنه أصدر قراراً بتخصيص موظفين بكل مركز للتعامل مع شكاوى الأهالى وسرعة الفصل فيها.


المصدر